هل عذاب القبر حقيقة أو خرافة؟ وهل ورد ذكر عذاب القبر في القرآن؟ وهل يكون العذاب على الروح والجسد أو الروح فقط؟

من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وقد ظهر في زماننا – كما ظهر قديمًا – بعض الضالين الذين يشككون في عذاب القبر، ولهم حجج في ذلك ما هي إلا كهباء منثور، أو كسراب بقيعة، ونحن في هذه المسألة نتعرض لبعض أدلة عذاب القبر، ونذكر بعض النقولات عن بعض أئمة المسلمين.

من أدلة عذاب القبر في سنة النبي :

وردت أحاديث كثيرة صحيحة عن النبي في إثبات عذاب القبر، وهذه الأحاديث بلغت حد التواتر فيما يظهر لي، وأقتصر على أربعة أحاديث اتفق على صحتها الإمامان البخاري ومسلم.

١- عن عائشة زوج النبي ، أن رسول الله كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)). أخرجه البخاري ومسلم.

٢- عن عائشة زوج النبي ، أن يهودية جاءت تسألها، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله : أيعذب الناس في قبورهم؟
فقال رسول الله : ((عائذا بالله من ذلك)).
ثم ذكرت صلاة النبي صلاة خسوف الشمس، قالت: فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر. أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية البخاري: فسألت عائشة رسول الله عن عذاب القبر، فقال: ((نعم، عذاب القبر حق)).
قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.

٣- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله يدعو: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر..)). أخرجه البخاري ومسلم.

٤- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبي يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر)). أخرجه البخاري ومسلم.

قال ابن قتيبة: كثرة الأخبار عن النبي ﷺ في منكر ونكير وفي عذاب القبر صحاح لا يجوز على مثلها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمور ديننا.

وقال ابن بطال: عذاب القبر حق، وأهل السنة مجمعون على الإيمان به والتصديق، ولا ينكره إلا مبتدع

وقال النووي: أهل السنة إثبات عذاب القبر كما ذكرنا خلافا للخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة نفوا ذلك.

عذاب القبر في القرآن:

بداية فلتعلم أنه لا يجوز رد ما صح عن رسول الله . عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه)).
وفي رواية: ((يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله)). حدي صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.

ومع ذلك فقد وردت الإشارة لعذاب القبر في آيتين من كتاب الله تعالى:

١- قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]:

عن البراء بن عازب، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]، قال: نزلت في عذاب القبر. أخرجه مسلم.

٢- قوله تعالى: {فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ ما مَكَروا وَحاقَ بِآلِ فِرعَونَ سوءُ العَذابِ * النّارُ يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقومُ السّاعَةُ أَدخِلوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذابِ} [غافر: ٤٥-٤٦]

قال القرطبي: والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ. واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: {النّارُ يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: {وَيَومَ تَقومُ السّاعَةُ أَدخِلوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذابِ}.

هل يكون العذاب على الروح والجسد أو الروح فقط؟

قال ابن تيمية: العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة؛ تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح مفردة عن البدن.

وقال ابن أبي العز: ليس السؤال في القبر للروح وحدها، كما قال ابن حزم وغيره، وأفسد منه قول من قال: إنه للبدن بلا روح! والأحاديث الصحيحة ترد القولين.

وكذلك عذاب القبر يكون للنفس والبدن جميعا، باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب مفردة عن البدن ومتصلة به.

وقال ابن رجب: هؤلاء السلف كلهم صرحوا بأن الروح تعاد إلى البدن عند السؤال، وصرح بمثل ذلك طوائف من الفقهاء والمتكلمين من أصحابنا، وغيرهم.

ومما يدل على وقوع العذاب على الأجساد الأحاديث الكثيرة في تضييق القبر على الميت، حتى تختلف أضلاعه، ولأنه لو كان العذاب على الروح خاصة لم يختص العذاب بالقبر ولم ينسب إليه.

شاهد الفيديو على يوتيوب:

 

استمع على ساوند كلاود:

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *